كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال في المصباح‏:‏ الأضحية فيها لغات ضم الهمزة في الأكثر وهي في تقدير أفعولة وكسرها اتباعاً لكسرة الحاء والجمع أضاحي والثالثة ضحية والجمع ضحايا كعطية وعطايا والرابعة أضحاه بفتح الهمزة ‏[‏ص 428‏]‏ والجمع أضحى ومنه عيد الأضحى وضحى تضحية ذبح الأضحية وقت الأضحى هذا أصله ثم كثر حتى قيل ضحى في أي وقت شاء من أيام التشريق‏.‏

- ‏(‏حم ك عن رجل‏)‏ من الصحابة‏.‏

2212 - ‏(‏إن أفضل عمل المؤمن الجهاد في سبيل اللّه‏)‏ أي يقصد أن تكون كلمة اللّه هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى يعني هو أكثر الأعمال ثواباً وسبق الجمع بينه وبين نحو خبر أفضل الأعمال الصلاة‏.‏

- ‏(‏طب عن بلال‏)‏ المؤذن‏.‏

2213 - ‏(‏إن أفضل عباد اللّه يوم القيامة‏)‏ الذي هو يوم الجزاء وكشف الغطاء ونتيجة الأمر ‏(‏الحمادون‏)‏ للّه أي الذين يكثرون حمد اللّه أي وصفه بالجميل المستحق له من جميع الخلق على السراء والضراء فهو المستحق للحمد من كافة الأنام حتى في حال الانتقام قال في الكشاف والتحميد في الجنة على وجه اللذة لا الكلفة‏.‏

- ‏(‏طب عن عمران بن حصين‏)‏ بالتصغير‏.‏

2214 - ‏(‏إن أفواهكم طرق للقرآن‏)‏ أي للنطق بحروف القرآن عند تلاوته ‏(‏فطيبوها بالسواك‏)‏ أي نظفوها لأجل ذلك باستعمال آلة السواك المعروفة إظهاراً لشرف العبادة ولأن الملك يضع فمه على فم القارىء فيتأذى بالريح الكريه قال الغزالي‏:‏ وينبغي أن ينوي بالسواك تطهير فمه للقراءة زذكر اللّه في الصلاة هذا لفظه‏.‏

أخذ بعض الصوفية من هذا أنه كما شرع تنظيف الأفواه للقراءة من الدنس الحسي يشرع من القذر المعنوي فيتأكد لحملة القرآن صون اللسان عن نحو كذب وغيبة ونميمة وأكل حرام إجلالاً لكلام الملك العلام ولهذا قال بعضهم‏:‏ طهروا أفواهكم للقراءة فإن من يدنس فمه بطعام أو كلام حرام كمن يكتب القرآن على نجاسة والقوم يشهدون القذر الحكمي كالحسي فيرون تضمخ اللسان مثلاً بدم اللثة أخف من تضمخه بغيبة ونميمة‏.‏

- ‏(‏أبو نعيم‏)‏ الحافظ ‏(‏في كتاب‏)‏ فضل ‏(‏السواك‏)‏ له ‏(‏والسجزي في‏)‏ كتاب ‏(‏الإبانة‏)‏ عن أصول الديانة ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وهو عند أبي نعيم من حديث بحر بن كثير السقا قال الذهبي في الضعفاء اتفقوا على تركه عن عثمان بن عمر وابن ساج أورده أيضاً في الضعفاء وقال‏:‏ تكلم فيه عن سعيد بن جبير عن علي قال الديلمي‏:‏ وسعيد ولم يدرك علياً اهـ‏.‏ فعلم أن فيه ضعفاً وانقطاعاً ورواه ابن ماجه موقوفاً على علي وهو أيضاً ضعيف وقد بسط مغلطاي ضعفه ثم أفاد أنه وقف عليه من طرق سالمة من الضعفاء عن علي مرفوعاً بلفظ إن العبد إذا قام يصلي وقد تسوك أتاه الملك فقام خلفه فلا يخرج من فيه شيء إلا دخل جوف الملك فطهروا أفواهكم بالسواك اهـ‏.‏

2215 - ‏(‏إن أقل ساكني الجنة النساء‏)‏ أي في أول الأمر قبل خروج عصاتهن من النار فلا دلالة فيه على أن نساء الدنيا أقل من الرجال في الجنة وقال بعض المحققين‏:‏ القلة يجوز كونها باعتبار ذواتهن إذا أريد ساكني الجنة المتقدمين في دخولها وكونها باعتبار سكناهن بأن يحبس في النار كثيراً فيكون سكناهن في الجنة قليلاً بالنسبة لمن دخل قبلهن وإنما قلنا ذلك لأن السكنى في الجنة غير متناهية فلا توصف بقلة ولا كثرة‏.‏

- ‏(‏حم م عن عمران بن حصين‏)‏

2216 - ‏(‏إن أكبر الإثم عند اللّه‏)‏ أي أعظمه عقوبة عليه ‏(‏أن يضيع الرجل‏)‏ ذكر الرجل غالبي والمراد كل من تلزمه نفقة غيره ‏(‏من ‏[‏ص 429‏]‏ يقوت‏)‏ أي من عليه قوته أي تلزمه مؤونته من نحو زوجة وأصل وفرع وخادم بترك الإنفاق عليهن مع اليسار وفقد الأعذار والمراد أن ذلك من أكبر الآثام لا الأكبر مطلقاً فقتلهم أكبر جرماً من عدم إنفاقهم وتجويعهم وتقدم لذلك نظائر‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص‏.‏

2217 - ‏(‏إن أكثر‏)‏ بثاء مثلثة ‏(‏الناس شبعاً في الدنيا أطولهم جوعاً يوم القيامة‏)‏ لفظ رواية ابن ماجه فيما وقفت عليه في الآخرة بدل القيامة فليحرر فإن بعض الناس يعذب يوم القيامة بالجوع وبعضهم يؤذن له في الأكل من أرض المحشر التي هي خبزة بيضاء ومقصود الحديث التنفير من الشبع لكونه مذموماً فإن من كثر أكله كثر شربه فكثر نومه فتلبد ذهبه فقسا قلبه فكسل جسمه ومحقت بركة عمره ففتر عن عبادة الودود فطرد يوم القيامة عن مناهل الورود فإن لم يحفه لطف المعبود ورد النار وبئس الورد المورود وحكم عكسه عكس حكمه فمن اشتغل قلبه بما يصير إليه من الموت وما بعده منعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته فجاء يوم القيامة شبعان وفوائد الجوع العاجلة والآجلة المتكلفة بالرفعة في الدارين لا تحصى فإن أردت الوقوف عليها فعليك بنحو الإحياء ولا يعارضه خبر أنهم أكلوا عند أبي الهيثم حتى شبعوا لأن المنهي عنه الشبع المثقل للمعدة المبطىء بصاحبه عن العبادة كما تقرر والقسطاس المستقيم ما قاله المصطفى صلى اللّه عليه وسلم فإن كان ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه‏.‏

ذكروا أن مراتب الشبع تنحصر في سبعة‏:‏ الأول ما تقوم به الحياة والثاني يزيد حتى يصوم ويصلي من قيام وهذان واجبان الثالث أن يزيد حتى يقدر على أداء النوافل الرابع أن يزيد حتى يقدر على التكسب وهذان مندوبان الخامس أن يملأ الثلث وهذا جائز السادس أن يزيد عليه وبه يثقل البدن ويكثر النوم وهذا مكروه السابع أن يزيد حتى يتضرر وهو البطنة المنهي عنها وهذا حرام‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ ويمكن دخول الثالث في الرابع والأول في الثاني‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ قال العارف ابن عربي‏:‏ أركان الطريق أربعة الصمت والجوع والعزلة والسهر وينشأ عن هذه الأربعة معرفة اللّه والنفس والدنيا والشيطان فإذا اعتزل الإنسان عن الخلق وعن نفسه وصمت عن ذكره بذكر ربه وأعرض عن الغذاء الجسماني وسهر عند نوم النائمين واجتمعت فيه هذه الخصال الأربعة تبدلت بشريته ملكية وعبودية سيادة وعقله حساً وغيبته شهادة وباطنه ظاهراً وإذا رحل عن موضع وترك بدله فيه حقيقة روحانية يجتمع إليها أهل ذلك الموطن فإن ظهر شوق من أناسي ذلك الموطن شديد لذلك الشخص تجسدت لهم تلك الحقيقة الروحانية التي تكسها بدله فكلمتهم وكلمته وهو غائب‏.‏

- ‏(‏ه ك عن سليمان‏)‏ وفيه عند ابن ماجه محمد بن الصباح قال في الكاشف وثقه أبو زرعة وله حديث منكر وزيد بن وهب قال في ذيل الضعفاء ثقة مشهور وقال النسوي في حديثه خلل كبير وقال ابن حجر أخرجه ابن ماجه عن سليمان بسندين وخرجه عن ابن عمر بنحوه وفي سنده مقال وخرجه البزار عن أبي جحيفة بسند ضعيف‏.‏

2218 - ‏(‏إن أكثر‏)‏ بمثلثة بخط المؤلف ‏(‏شهداء أمتي لأصحاب الفرش‏)‏ أي الذين يألفون النوم على الفراش ولا يهاجرون الفراش ويتصدون للغزو‏.‏ قال الحكيم هؤلاء قوم اطمأنت نفوسهم إلى ربهم وشغلوا به عن الدنيا وتمنوا لقاءه فإذا حضرهم الموت جادوا بأنفسهم طوعاً وبذلوها له إيثاراً لمحبته على محبتها فهم ومن قتل في معركة الكفار سيان فينالون منازل الشهداء لأن الشهداء بذلوا أنفسهم ساعة من نهار وهؤلاء بذلوها طول الأعمار ‏(‏ورب قتيل بين الصفين‏)‏ في قتال الكفار بسببه ‏(‏اللّه أعلم بنيته‏)‏ هل هي نية إعلاء كلمة اللّه وإظهار دينه أو ليقال شجاع باسل أو لينال حظاً وافراً من الغنائم أو يكثر ماله ليطلب الملك والرياسة وغير ذلك من المقاصد التي لا يطلع عليها إلا المطلع على الضمائر‏.‏‏[‏ص 430‏]‏

عدوا من خصائص هذه الأمة أنهم يقبضون على فرشهم وهم شهداء عند اللّه‏.‏

- ‏(‏حم عن ابن مسعود‏)‏ جزم المصنف بعزوه لأحمد عن ابن مسعود غير جيد وذلك لأن أحمد إنما قال عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمداً خبره وكان من أصحاب ابن مسعود أنه حدثه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بذلك قال الهيثمي‏:‏ هكذا رواه أحمد ولم أره ذكر ابن مسعود والظاهر أنه مرسل وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات اهـ نعم قال ابن حجر في الفتح الضمير في قوله أنه لابن مسعود فإن أحمد خرجه في مسند ابن مسعود قال ورجال سنده موثقون‏.‏

2219 - ‏(‏إن أمامكم‏)‏ في رواية ورائكم ‏(‏عقبة‏)‏ أي جبل ‏(‏كؤود‏)‏ بفتح الكاف أي شاقة المصعد ‏(‏لا يجوزها المثقلون‏)‏ من الذنوب المتضمخون بأدناس العيوب أي إلا بمشقة عظيمة وكرب شديد بل من طهر قلبه عن الأخلاق الذميمة وعمره بالخصال الحميدة وكلما غدا المطلب وشرف صعب مسلكه وطال منهجه وكثرت عقباته وشقت مقاساته وتلك العقبة هي الموت ثم البعث ثم الوقوف بين يدي اللّه ثم الحساب ثم الجنة أو النار‏.‏ قال ذو النون‏:‏ حق لابن آدم أن تبكي السماوات والأرض لخفاء السابقة وإبهام العاقبة ومطالبة الشريعة وثقل التكليف وسقوط العذر وكثرة ما أمامه من العقبات وكما أن أمام ابن آدم عقبات أخروية فأمامه قبلها عقبات دنيوية‏.‏ قال حجة الإسلام‏:‏ وهي سبع مترتبة عقبة العلم وعقبة التوبة وعقبة العوائق وعقبة البواعث وعقبة الفوادح وعقبة الحمد والشكر وشرح ذلك مما لا يحتمل المقام بعضه‏.‏

- ‏(‏هب ك‏)‏ في الفتن عن أم الدرداء ‏(‏عن أبي الدرداء‏)‏ وقال صحيح وأقره الذهبي وسببه كما في الطبراني قالت أم الدرداء لأبي الدرداء ما لك لا تطلب كما يطلب فلان وفلان قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فساقه ثم قال فأنا أحب أن أتخفف لتلك العقبة قال الهيثمي رجاله ثقات‏.‏

2220 - ‏(‏إن أمتي‏)‏ أمة الإجابة لا الدعوة والمراد المتوضئون منهم ‏(‏يدعون‏)‏ بضم أوله أي ينادون أو يسمون‏.‏ قال الراغب‏:‏ الدعاء كالنداء لكن النداء قد يقال إذا قيل يا من غير أن ينضم إليه الاسم والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الاسم نحو يا فلان قد يستعمل كل منهما محل الآخر ويستعمل استعمال التسمية كدعوت ابني زيداً أي سميته ‏(‏يوم القيامة‏)‏ أي موقف الحساب أو الميزان أو الصراط والحوض أو غير ذلك ‏(‏غراً‏)‏ بضم فتشديد جمع أغر أي ذو غرة والغرة بالضم بياض بجبهة الفرس فوق الدرهم شبه به ما يكون لهم من النور في الآخرة وغراً منصوب على المفعولية ليدعون أو حال أي أنهم إذا دعوا يوم التنادي على رؤوس الأشهاد نودوا بهذا الوصف أو كانوا على هذا النعت‏.‏ قال الطيبي‏:‏ ولا تبعد التسمية باعتبار الوصف الظاهر كما يسمى رجل به حمرة الأحمر للمناسبة بين الاسم والمسمى ‏(‏محجلين‏)‏ من التحجيل وهو بياض في قوائم الفرس أو في ثلاث منها أو في غيره قل أو كثر بعد ما يجاوز الأرساغ ولا يجاوز الركبتين ‏(‏من آثار الوضوء‏)‏ بضم الواو وجوز القشيري فتحها على أنه الماء ولا دلالة في هذا على أن الوضوء من خصائصنا بل الغرة والتحجيل خاصة بدليل ما رواه البخاري في قصة سارة‏(‏1‏)‏ فقامت تتوضأ وقصة جريح الراهب قام فتوضأ وأما خبر هذا وضوئي ووضوء الأنبياء مع قبلي مع احتمال أنه من خصائص الأنبياء لا أممهم كما مر بسطه فضعيف ‏(‏فمن استطاع‏)‏ أي قدر ‏(‏منكم‏)‏ أيها المؤمنون ‏(‏أن يطيل غرته‏)‏ أي وتحجيله على وزن ‏{‏سرابيل تقيكم الحر‏}‏ ‏[‏ص 431‏]‏ واقتصر على الغرة لشمولها للتحجيل على ما عليه كثير أو لأن محلها أشرف الأعضاء وأول ما يقع عليه النظر وزعم أنه كنى بالغرة عن التحجيل لعدم إمكان غسل زيادة في الوجه باستلزامه قلب اللغة وما نفاه ممنوع بإمكان غسله إلى صفحة العنق ومقدم الرأس ونقل الرافعي عن بعضهم أن الغرة تطلق على الغرة والتحجيل معاً متوقف على ثبوت وروده وأنى به ‏(‏فليفعل‏)‏ أي فليفعل الإطالة بأن يغسل مع وجهه من مقدم رأسه وعنقه زائداً على الواجب وما فوق الواجب من يديه ورجليه واعلم أن الاستطاعة إذا أضيفت للعبد فهي والقدرة والقوة بمعنى عند أهل الأصول وهي نوعان أحدهما سلامة الأسباب والآلات وهي متقدمة على الفعل إجماعاً وحدها التهيؤ لتنفيذ الفعل عن إرادة المختار والثاني حقيقة القدرة وهي نوع جدة يترتب على إرادة الفعل إرادة جازمة مؤثرة في وجوده والاستطاعة هنا من الطراز الأول ومعناه من قدر منكم أن يعرف ويشتهر في عرصات القيامة وينادى بذلك فليفعل تلك الإطالة فحذف المفعول اختصاراً وفيه رد على منع ندب إطالتهما كالأئمة الثلاثة وتأويلهم الإطالة المطلوبة بإدامة الوضوء عورض بأن الراوي أدرى بما روى كيف وقد صرح برفعه إلى الشارع ونقل ابن تيمية وابن القيم وابن جماعة عن جمع من الحفاظ أن قوله فمن استطاع إلى آخره زيادة مدرجة من كلام أبي هريرة وقال ابن حجر‏:‏ لم أر هذه الجملة في رواية أحد ممن روى الحديث من الصحابة وهم عشرة ولا ممن رواه عن أبي هريرة غير زيادة نعيم هذه‏.‏

- ‏(‏ق‏)‏ في الطهارة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ لكن قال مسلم يأتون بدل يدعون وسببه كما في مسلم أن نعيم بن عبد اللّه رأى أبا هريرة يتوضأ فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين ثم غسل رجليه حتى بلغ إلى الساقين ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول فذكره‏.‏

---------------------------

‏(‏1‏)‏ أي مع الملك الذي أعطاها هاجر أن سارة لما هم الملك بالدنو منها قامت تتوضأ وتصلي وفي قصة جريج الراهب أيضاً أنه قام فتوضأ وصلى ثم كلم الغلام فالظاهر أن الذي اختصت به هذه الأمة هو الغرة والتحجيل لا الوضوء‏.‏

---------------------------

2221 - ‏(‏إن أمتي‏)‏ أي أمة الإجابة ‏(‏لن‏)‏ وفي لفظ لا ‏(‏تجتمع على ضلالة‏)‏ ومن ثم كان إجماعهم حجة ‏(‏فإذا رأيتم اختلافاً‏)‏ في أمر الدين كالعقائد والدنيا كالتنازع في شأن الإمامة العظمى أو نحو ذلك ‏(‏فعليكم بالسواد الأعظم‏)‏ من أهل الإسلام أي الزموا متابعة جماهير المسلمين فهو الحق الواجب والفرض الثابت الذي لا يجوز خلافه فمن خالف مات ميتة جاهلية‏.‏

- ‏(‏ه عن أنس‏)‏ بن مالك ورواه عنه أيضاً الدارقطني في الأفراد وابن أبي عاصم واللالكائي قال ابن حجر رحمه اللّه تعالى‏:‏ حديث تفرد به معاذ بن رفاعة عن أبي خلف ومعاذ صدوق فيه لين وشيخه ضعيف‏.‏

2222 - ‏(‏إن أمر هذه الأمة لا يزال مقارباً‏)‏ وفي رواية بدله مواتياً ‏(‏حتى يتكلموا في الولدان والقدر‏)‏ بالتحريك أي إسناد أفعال العباد إلى قدرهم وأما الولدان فيحتمل أن أراد بهم أولاد المشركين هل هم في النار مع آبائهم أو في الجنة ويحتمل أن المراد البحث عن كيفية حال ولدان الجنان ويحتمل أنه كناية عن اللواط ولم أر في ذلك شيئاً‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الهيثمي بعد ما عزاه لهما رجال البزار رجال الصحيح اهـ وقضيته أن رجال الطبراني ليسوا كذلك فلو عزاه المصنف للبزار لكان أولى‏.‏

2223 - ‏(‏إن أمين هذه الأمة‏)‏ أي الثقة الرضي ‏(‏أبو عبيدة‏)‏ عامر ‏(‏بن الجراح‏)‏ قد شاركه غيره من الصحب في الأمانة لكن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم خص بعضهم بصفات غلبت عليه وكان أخص بها وناهيك بمن قال عمر رضي اللّه ‏[‏ص 432‏]‏ عنه في حقه عند عهده بالخلافة‏:‏ لو كان حياً‏(‏1‏)‏ لاستخلفته‏(‏2‏)‏ ‏(‏وإن حبر هذه الأمة‏)‏ بفتح الحاء وكسرها والفتح أفصح أي عالمها ‏(‏عبد اللّه ابن عباس‏)‏ ترجمان القرآن كيف لا وقد دعا له المصطفى صلى اللّه عليه وآله وسلم بقوله اللّهم فقهه في الدين وعلمه التأويل‏.‏

- ‏(‏خط عن‏)‏ عبد اللّه ‏(‏ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب وفيه كوثر بن حكيم قال الذهبي في الضعفاء تركوه وضعفوه اهـ وساقه في الميزان في ترجمة الحسن بن محمد البغدادي وقال هذا باطل وقال في اللسان هذا لا ذنب فيه للحسين والحمل فيه على كوثر فإنه متهم بالكذب‏.‏

-----------------------------

‏(‏1‏)‏ أي لأنه توفي في طاعون عمواس بالأردن وقبر ببيسان وصلى عليه معاذ بن جبل وذلك سنة ثمان عشرة من خلافة عمر وهو ابن ثمان وخمسين سنة وكان رضي اللّه عنه يسير في العسكر فيقول ألا رب مبيض لثيابه مدنس لدينه ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين بادروا السيئات القديمات بالحسنات الحادثات فلو أن أحدكم عمل من السيئات ما بينه وبين السماء ثم عمل حسنة لعلت فوق سيئاته حتى تقهرهن ولما قدم عمر الشام تلقاه الناس وعظماء أهل الأرض فقال عمر أين أخي قالوا من قال أبو عبيدة قالوا الآن يأتيك فلما أتاه نزل فاعتنقه ثم دخل عليه بيته فلم ير في بيته إلا سيفه وترسين ورحلة فقال له عمر ألا اتخذت ما اتخذ أصحابك فقال يا أمير المؤمنين هذا يبلغني المقبل وقال عمر لأصحابه به تمنوا فقال رجل أتمنى أن لي هذه الدار مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل اللّه عز وجل، أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجوهراً أنفقه في سبيل اللّه وأتصدق به ثم قال تمنوا فقالوا ما ندري يا أمير المؤمنين فقال عمر أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح اهـ من صفة الصفوة لابن الجوزي‏.‏

‏(‏2‏)‏ تتمته كما في صفة الصفوة فإن سألني اللّه عز وجل لم استخلفته على هذه الأمة قلت إني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول إن لكل نبي أميناً وأميني أبو عبيدة بن الجراح‏.‏

-----------------------------

2224 - ‏(‏إن أناساً من أمتي‏)‏ أمة الإجابة ‏(‏يأتون بعدي‏)‏ أي بعد موتي ‏(‏يود‏)‏ أي يحب ويتمنى ‏(‏أحدهم لو اشترى رؤيتي بأهله وماله‏)‏ هذا من معجزاته إذ هو إخبار عن غيب وقع وقد وجد في كل عصر من يود ذلك ممن لا يحصى حتى قال بعض الأكابر‏:‏ لو حجب عني رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم طرفة عين ما عشت ذلك اليوم‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في المناقب ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال صحيح وأقره الذهبي‏.‏

2225 - ‏(‏إن أناساً من أمتي يستفقهون في الدين‏)‏ أي يتفقهون في أحكامه فيصيرون فقهاء ‏(‏ويقرأون القرآن ويقولون‏)‏ أي يقول بعضهم لبعض ‏(‏نأتي الأمراء‏)‏ أي ولاة أمور الناس ‏(‏فنصيب من دنياهم‏)‏ حظاً يعود نفعه علينا ‏(‏ونعتزلهم بديننا‏)‏ فلا نوافقهم على ارتكاب المعاصي ‏(‏ولا يكون ذلك‏)‏ أي السلامة من ارتكاب الآثام مع مخالطتهم والإصابة من دنياهم ‏(‏كما لا يجتني من القتاد‏)‏ شجر كثير الشوك ينبت بنجد وتهامة وفي المثل دونه خرط القتاد ‏(‏إلا الشوك كذلك لا يجتنى من قربهم إلا الخطايا‏)‏ لأن الدنيا خضرة وحلوة وزمامها بأيدي الأمراء ومخالطهم لا ينفك عن التكلف في طلب مرضاتهم واستمالة قلوبهم وتحسين حالهم لهم مع ما هم عليه من الظلم وذلك هو السم القاتل فمخالطتهم مفتاح لعدة شرور‏.‏ قال الغزالي‏:‏ إذا مالت قلوب العلماء إلى الدنيا وأهلها سلبها اللّه ينابيع الحكمة وأطفأ مصابيح الهدى من قلوبهم‏.‏

- ‏(‏د عن ابن عباس‏)‏ وفي الباب غيره أيضاً‏.‏

‏[‏ص 433‏]‏ 2226 - ‏(‏إن أناساً من أهل الجنة يطلعون على أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فواللّه ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون إنا كنا نقول ولا نفعل‏)‏ أي نأمر بالمعروف ولا نأتمر وننهى عن المنكر ونأتيه والحديث ناع على من يعظ غيره ولا يتعظ بنفسه بسوء صنيعه وخبث فعله‏(‏1‏)‏ ولهذا قال عيسى عليه السلام مثل الذي يتعلم ولا يعمل كمثل امرأة زنت في السر فحملت فظهر حملها فافتضحت فكذلك من لا يعمل بعلمه يفضحه اللّه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد وروي أن رجلاً كان يخدم موسى عليه السلام وكان يعظه فلم يتعظ فدعا عليه فخرج ففقده فلم يجد له أثر حتى جاء رجل وبيده خنزير بحبل في عنقه فقال أتعرف فلاناً ‏؟‏ هو ذا، فسأل موسى عليه الصلاة والسلام ربه أن يرده لحاله فيسأله فأوحى اللّه إليه لو دعوتني بما دعاني آدم فمن دونه ما أجبتك فيه لكن أخبرك أنه كان يطلب الدنيا بالدنيا، قال العارف البسطامي‏:‏ عملت في المجاهدة ثلاثين سنة فما وجدت شيئاً أشد عليّ من العلم وخطره قال الغزالي رحمه اللّه‏:‏ وإياك أن يزين لك الشيطان فيقول إذا كان ورود هذا الخطر العظيم في العلم فتركه أولى فلا تظنن ذلك فقد روي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال اطلعت ليلة المعراج على النار فرأيت أكثر أهلها الفقراء قالوا من المال‏؟‏ قال لا من العلم، فمن لم يتعلم العلم لا يمكنه إحكام العبادة والقيام بحقوقها ولو أن رجلاً عبد اللّه بعبادة ملائكة السماء بغير علم كان من الخاسرين فتشمر في طلب العلم والتلقين والتدريس واجتنب الكسل والملال وإلا فأنت في خطر الضلال‏.‏

- ‏(‏طب عن الوليد بن عقبة‏)‏ بضم المهملة وسكون القاف وهو ابن أبي معيط الأموي أخو عثمان لأمه من الطلقاء استعمله النبي صلى اللّه عليه وسلم على صدقات بني المصطلق وولى الكوفة ولما قتل أخوه اعتزل الفتنة بالرقة‏.‏ قال الهيثمي‏:‏ وفيه أبو بكر بن حكيم الداهري ضعيف جداً انتهى وسبقه الذهبي فقال‏:‏ الداهري متهم‏.‏

------------------------

‏(‏1‏)‏ وفي قصة الإسراء أن النبي صلى اللّه عليه وسلم مر بأناس تقرض شفاههم وألسنتهم بالمقاريض فقال صلى اللّه عليه وسلم من هؤلاء فقال له جبريل هؤلاء خطباء السوء من أمتك يقولون ما لا يفعلون‏.‏

------------------------

2227 - ‏(‏إن أنواع البر نصف العبادة والنصف الآخر الدعاء‏)‏ أي الصلاة فهي أعظم أنواع البر بحيث بلغت لعظمتها أنه لو وضع ثوابها في كفة ووضع ثواب جميع أنواع العبادات في كفة لعادلتها وحدها واحتمال إجرائه على ظاهره من إرادة حقيقة الدعاء يحتاج إلى تعسف في التوجيه‏(‏1‏)‏‏.‏

- ‏(‏ابن صصري في أماليه‏)‏ الحديثية ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

----------------------------

‏(‏1‏)‏ وحمله العزيزي على ظاهره فإنه قال فلو وضع ثوابه في كفة ووضع ثواب جميع العبادات في كفة لعادلها وهذا خرج على منهج المبالغة في مدحه والحث عليه‏.‏

-----------------------------

2228 - ‏(‏إن أهل الجنة ياكلون فيها ويشربون‏)‏ أي يتنعمون فيه بالأكل وغيره تنعماً لا آخر له على هيئة نعيم الدنيا لكن لا نسبة بينهما في اللذة والنفاسة ‏(‏و‏)‏ لكن ‏(‏لا يتفلون‏)‏ بكسر الفاء وضمها يبصقون ‏(‏ولا يبولون ولا يتغوطون‏)‏ كما لأهل الدنيا ‏(‏ولا يتمخطون‏)‏ أي لا يكون لهم مخاط ‏(‏ولكن طعامهم ذلك‏)‏ أي رجيع طعامهم الذي يطعمونه ‏(‏جثاء‏)‏ كغراب صوت مع ريح يخرج من الفم عند الشبع ‏(‏ورشح كرشح المسك‏)‏ وعرق يخرج من أبدانهم رائحته كرائحة المسك في الذكاء يعني أن العرق الذي يترشح منهم ريحه كالمسك وهو قائم مقام التغوط والبول من غيرهم لما كانت أغذية الجنة في غاية اللطافة والاعتدال لا عجم لها ولا ثقل لم تكن لها فضلة تستقذر بل تستطاب وتستلذ فعبر عنها بالمسك الذي هو أطيب طيب الدنيا‏.‏ قال السمهودي‏:‏ وهذه الصفات لا تختص بالزمرة الأولى التي اقتصر عليها في إحدى روايات ‏[‏ص 434‏]‏ الصحيح قال ونعيم أهل الجنة ولباسهم وطعامهم ليس عن دفع ألم يعتريهم فليس أكلهم عن جوع ولا شربهم عن ظمأ ولا تطيبهم عن نتن وإنما هي لذات متوالية ونعم متتابعة وحكمته أنه تعالى نعمهم في الجنة بنوع ما كانوا يتنعمون به في الدنيا وزادهم عليه ما لم يعلمه إلا هو ‏(‏يلهمون التسبيح والتحميد‏)‏ أي يوفقون لهما والإلهام إلقاء شيء في النفوس يبعث على فعل أو ترك ‏(‏كما تلهمون‏)‏ بمثناة فوقية مضمومة بضبط المصنف أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم ‏(‏النفس‏)‏ بفتح الفاء بضبط المصنف وفي نسخة التنفس بزيادة تاء قبل النون وهي من زوائد النساخ إذ لا وجود لها في خط المصنف يعني يعني لا يتعبون من التسبيح والتهليل كما لا تتعبون أنتم من التنفس ولا يشغلهم شيء عن ذلك كالملائكة أو أراد أنها تصير صفة لازمة لا ينفكون عنها كالتنفس اللازم للحيوان وسر ذلك أن قلوبهم قد تنورت بمعرفته وأبصارهم تنعمت برؤيته وغمرتهم سوابغ نعمته فامتلأت قلوبهم بمحبته وألسنتهم ملازمة لذكره رهينة لشكره ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره‏.‏

- ‏(‏حم م د عن جابر‏)‏ قال جاء رجل من اليهود إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال تزعم أن أهل الجنة يأكلون ويشربون قال نعم قال إن الذي يشرب يكون له الحاجة الجنة مطهرة فذكره‏.‏

2229 - ‏(‏إن أهل الجنة يتراءون‏)‏ بفتح التحتية والفوقية فهمزة مفتوحة فتحتية مضمومة بوزن يتفاعلون ‏(‏أهل الغرف‏)‏ أي ينظرون أهل الغرف جمع غرفة وهو بيت صغير فوق الدار والمراد هنا القصور العالية في الجنة ‏(‏كما يتراءون‏)‏ بفتح التحتية والفوقية والهمزة بعدها تحتية‏(‏1‏)‏ وفي رواية للبخاري تتراءون بفوقيتين بغير تحتية بعد العمزة ‏(‏الكواكب في السماء‏)‏ يريد أنهم يضيئون لأهل الجنة إضاءة الكواكب لأهل الأرض‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ والترائي تفاعل من الرؤية وهي على وجوه يقال تراءى القوم إذا رأى بعضهم بعضاً وتراءى لي الشيء ظهر لي حتى رأيته وتراءى القوم الهلال إذا رأوه بأجمعهم‏.‏

- ‏(‏حم ق عن سهل بن سعد‏)‏ الساعدي‏.‏

----------------------

‏(‏1‏)‏ وفي العزيزي بحذف حرف المضارعة وهو المثناة الفوقية كذا ضبطه الشيخ في الحديث الآتي وهو ما في كثير من النسخ وقال المناوي في شرحه الصغير بفوقيتين‏.‏

----------------------

2230 - ‏(‏إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تراءون‏)‏ أنتم يا أهل الدنيا فيها ‏(‏الكوكب الدري‏)‏ بضم فكسر مشدداً نسبة إلى الدر لصفاء لونه وخلوص نوره ‏(‏الغابر‏)‏ بموحدة من الغبور أي الباقي في الأفق وهو من الأضداد ويقال للماضي وللباقي غابر والمراد الباقي بعد انتشار الفجر وحينئذ يرى أضوأ وفي الموطأ بالهمز بدل الموحدة من الغبور وهو السقوط والذهاب يعني الذاهب الذي قد تدلى للغروب ودنا منه وانحط إلى الجانب الغربي وفي الترمذي الغارب بتقديم الراء على الموحدة وفي التمثيل به دون بقية الكواكب المسامتة للرس وهي أعلى ‏(‏فائدتان‏)‏ إحداهما بعده عن العيون والثانية أن الجنة درجات بعضها أعلى من بعض، وإن لم تسامت العليا السفلى كالبساتين الممتدة من رأس الجبل إلى ذيله ذكره ابن القيم وبه يعرف أن ما زعمه التوربشتي من أن رواية الهمز تصحيف لما فيها من الركاكة لأن الساقط في الأفق لا يراه إلا بعض الناس وما الجنة يراه جميع أهلها غفلة عن هذا التوجيه الوجيه ومما يصرح برده خبر أحمد إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة كما تراءون أو ترون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في الدرجات فقوله الطالع صفة للكوكب وصفه بكونه غارباً وبكونه طالعاً وقد صرح في هذا خبر ابن المبارك عن أبي هريرة‏:‏ إن أهل الجنة ليتراءون في الغرف كما يرى الكوكب الشرقي والكوكب الغربي في الأفق في تفاضل الدرجات ‏[‏ص 435‏]‏ ‏(‏في‏)‏ رواية لمسلم من ‏(‏الأفق‏)‏ متعلق بمحذوف أي قريبه أو هو بيان للمحل الذي يقر فيه الكوكب والأفق بضمتين أو بضم فسكون كعسر وعسر كما في الصحاح وغيره فمن اقتصر على الأول كالمصباح لم يصب الناحية من السماء أو الأرض والأول هو المراد هنا ‏(‏من المشرق والمغرب‏)‏ شبه رؤية الرائي في الجنة صاحب الغرفة برؤية الرائي الكوكب المضيء في جانب الشرق والغرب في الإضاءة مع البعد ‏(‏لتفاضل ما بينهم‏)‏ يعني يرى أهل الغرف كذلك لتزايد درجاتهم على من عداهم وإنما قال من المشرق أو المغرب ولم يقل في السماء أي في كبدها لأنه لو قيل في السماء كان القصد الأولى بيان الرفعة ويلزم منه البعد وفي ذكر المشرق والمغرب القصد الأول منه البعد ويلزم منه الرفعة وفيه سمت من معنى التقصير بخلاف الأول فإن فيه نوع اعتذار‏.‏ ذكره الطيبي‏.‏

- ‏(‏حم ق‏)‏ في صفة الجنة ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ‏(‏ت ه عن أبي هريرة‏)‏ وحسنه وقضية صنيع المؤلف أن ما أورده هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته في صحيح البخاري قالوا يا رسول اللّه تلم منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا باللّه وصدقوا المرسلين انتهى بنصه‏.‏

2231 - ‏(‏إن أهل الدرجات العلا ليراهم من هو أسفل منهم‏)‏ منزلة ‏(‏كما ترون الكوكب الطالع في أفق السماء‏)‏ أي طرفها ‏(‏وإن أبا بكر‏)‏ الصديق ‏(‏وعمر‏)‏ الفاروق ‏(‏منهم وأنعما‏)‏ أي زادا في الرتبة وتجاوزا تلك المنزلة فقوله وأنعما عطف على المقدر في منهم أي أنهما استقرا منهم وأنعما وقيل أراد بأنعما صارا إلى النعيم‏(‏1‏)‏ وسيلقاك لهذا تتمة على الأثر‏.‏

- ‏(‏حم ت ه حب عن أبي سعيد‏)‏ الخدري ‏(‏طب عن جابر بن سمرة‏)‏ قال الهيثمي فيه الربيع بن سهل الواسطي ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن ابن عمرو‏)‏ بن العاص ‏(‏وعن أبي هريرة‏)‏ رضي اللّه عنهما وذكر الديلمي أن الشيخين خرجاه‏.‏

---------------------------

‏(‏1‏)‏ أي ودخلا فيه كما يقال أشمل إذا دخل في الشمال وفي بعض طرق الحديث قيل ما معنى وأنعما قال وأهل ذلك هما‏.‏

----------------------------

2232 - ‏(‏إن أهل عليين يشرف‏)‏ أي ينظر ويعلو ‏(‏أحدهم على الجنة‏)‏ أي لينظر إليها من محل عال قال في الصحاح وغيره‏:‏ الشرف العلو والمكان العالي وجبل مشرف أي عال وأشرف عليه اطلع من فوق ‏(‏فيضيء وجهه لأهل الجنة كما يضيء القمر ليلة البدر لأهل الدنيا‏)‏ فأصل ألوان أهل الجنان البياض كما في الأوسط والصغير للطبراني بسند حسن عن أبي هريرة مرفوعاً في وصفهم جرد بيض جعد مكحلون أبناء ثلاث وثلاثين وعند الطبراني من حديث ابن عمر جاء رجل من الحبشة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال له رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم سل واستفهم فقال فضلتم علينا بالصور والألوان والنبوة أفرأيت إن آمنت بمثل ما آمنت به وعملت بمثل ما عملت به إني لكائن معك في الجنة قال نعم والذي نفسي بيده إنه ليرى بياض الأسود في الجنة من مسيرة ألف عام ‏(‏وإن أبا بكر وعمر منهم‏)‏ أي من أهل عليين ‏(‏وأنعما‏)‏ قال الزمخشري‏:‏ كلمة نعم استعملت في حمد كل شيء واستجادته وتفضيله على جنسه ثم قيل إذا عملت عملاً فأنعمه أي فأجده وجيء به على وجه ‏[‏ص 436‏]‏ يثني عليه بنعم العمل هذا ومنه دق الدواء دقاً ناعماً ودقه فأنعم دقه ومنه قوله هنا وأنعما أي فضلاً وزادا على كونهما من جملة أهل عليين انتهى‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

2233 - ‏(‏إن أهل الجنة يتزاورون‏)‏ أي يزور بعضهم بعضاً فيها ‏(‏على النجائب‏)‏ جمع نجيبة قال الأزهري‏:‏ وهي عتاق الإبل التي يسابق عليها انتهى وبه يتبين سر تعبيره بالنجائب دون النوق ‏(‏بيض‏)‏ صفة النجائب ‏(‏كأنهن الياقوت‏)‏ أي الأبيض إذ هو أنواع ‏(‏وليس في الجنة شيء من البهائم‏)‏ جمع بهيمة ‏(‏إلا الإبل والطير‏)‏ أي بسائر أنواعها، فإن قلت‏:‏ سيجيء في خبر إن فيها الخيل أيضاً وذلك يعارض الحصر المذكور هنا، قلت‏:‏ ويمكن التوفيق بأنها جنان متعددة فبعضها ليس فيها من البهائم إلا ذينك وبعضها فيه خيل فقط والبعض فيه الكل والبهيمة تطلق ويراد بها كل ذات أربع من دواب البر والبحر ويطلق ويراد كل حيوان لا يميز‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري قال الهيثمي رحمه اللّه‏:‏ وفيه جابر بن نوح وهو ضعيف‏.‏

2234 - ‏(‏إن أهل الجنة يدخلون على الجبار‏)‏ سبحانه ‏(‏كل يوم مرتين‏)‏ أي في مقدار كل يوم من أيام الدنيا مرتين فإن قلت‏:‏ ما حكمة تعبيره هنا بالجبار دون غيره من الأسماء والصفات قلت‏:‏ لأن الجبار إما من الجبر الذي هو تلافي الأمر عند اختلاله وهو تلافي خلل المؤمنين بالعفو عن مسيئهم ورفع درجات مقصريهم في الأعمال وإما من الإجبار الذي هو إنفاذ الحكم فهو أعلى العباد فهو إشارة إلى أنهم يؤذن لهم في العروج إلى حضرة عالية المنار رفيعة المقدار وبذلك علم أن الدخول لا في مكان بل تجوز به على مشاكلة ما للملوك ‏(‏فيقرأ عليهم القرآن‏)‏ زاد في رواية فإذا سمعوه منه كأنهم لم يسمعوه قبل ذلك ‏(‏وقد جلس كل امرىء منهم مجلسه الذي هو مجلسه‏)‏ أي الذي يستحق أن يكون مجلساً له على قدر درجته ‏(‏على منابر‏)‏ جمع منبر ‏(‏الدر والياقوت والزمرد‏(‏1‏)‏ والذهب والفضة‏)‏ يحتمل أن المراد أن المنابر منها ما هو لؤلؤ ومنها ما هو ياقوت وهكذا وأن المراد كل منبر مركب من جميع المذكورات ولا مانع أن المراد أن منها ما هو بسيط ومنها ما هو مركب ثم إن جلوسهم عليها يكون ‏(‏بالأعمال‏)‏ أي بحسبها فمن يبلغ به عمله أن يكون كرسيه ذهباً جلس على الذهب ومن يقصر عنه يكون على الفضة وهكذا فرفع الدرجات في الجنة بالأعمال ونفس الدخول بالفضل ‏(‏فلا تقر أعينهم قط‏)‏ أي تسكن سكون سرور ‏(‏كما تقر بذلك‏)‏ أي بجلوسهم ذلك المجلس وسماعهم للقرآن‏.‏ قال في الصحاح وغيره‏:‏ قرت عينه تقر بكسر القاف وبفتحها ضد سخنت وأقر اللّه عينه أعطاه حتى تقر فلا يطمح إلى ما فوقه ويقال حتى تبرد ولا تسخن فللسرور دمعة باردة وللحزن دمعة حارة وفي المصباح‏:‏ قرت العين قرة بالضم وقروراً بردت سروراً قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز قرت عينه وأقر اللّه بها عينه ويقر عيني أن أراك انتهى‏.‏ ‏(‏ولم يسمعوا شيئاً أعظم منه‏)‏ في اللذة والسرور والطرب ‏(‏ولا أحسن منه‏)‏ في ذلك ‏(‏ثم ينصرفون‏)‏ راجعين ‏(‏إلى رحالهم‏)‏ جمع رحل وهو المنزل ‏(‏وقرة أعينهم‏)‏ أي سرورهم ولذتهم بما هم فيه من النعيم المقيم ‏(‏ناعمين‏)‏ أي منعمين ‏[‏ص 437‏]‏ ‏(‏إلى مثلها‏)‏ أي إلى مثل تلك الساعة ‏(‏من الغد‏)‏ فيدخلون على الجبار أيضاً وهكذا إلى ما لا نهاية له فإن قلت‏:‏ قوله هنا يدخلون عليه في كل يوم مرتين ويقرأ عليهم إلى آخره قد يعارضه ما في الخبر المار أنهم إنما يدخلون عليه في كل أسبوع مرة يوم الجمعة قلت‏:‏ قد يمكن الجواب بأن الدخول اليومي للجلوس بالحضرة وسماع القراءة مع وجود الحجاب عن النظر والدخول الأسبوعي للرؤية فلا تعارض أو أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والمقامات قال ابن عطاء اللّه قال البسطامي إن في الجنة أناساً إذا حجب المولى عنهم طرفة عين استغاثوا كما يستغيث أهل النار من النار‏.‏

- ‏(‏الحكيم‏)‏ الترمذي في النوادر ‏(‏عن بريدة‏)‏ بن الحصيب الأسلمي‏.‏

------------------------

‏(‏1‏)‏ الزمرد بثقل الراء مضمومة والذال معجمة هو الزبرجد والدال المهملة تصحيف الواحدة زمردة‏.‏

------------------------

2235 - ‏(‏إن أهل الجنة ليحتاجون إلى العلماء‏)‏ أراد علماء طريق الآخرة ‏(‏وذلك أنهم يزورون اللّه في كل جمعة‏)‏ أي مقدارها من الدنيا وهذه زيارة النظر كما نقرر وتلك زيارة سماع القرآن ولم أر من تعرض لذلك ‏(‏فيقول لهم تمنوا عليَّ ما شئتم فيلتفتون إلى العلماء‏)‏ أي يعطفون عليهم ويصرفون وجوههم إليهم قال في المصباح‏:‏ التفت بوجهه ولفته صرفه إلى ذات اليمين أو الشمال وقال الزمخشري‏:‏ لفت رداءه على عنقه عطفه ‏(‏فيقولون ماذا نتمنى فيقولون تمنوا عليه كذا وكذا‏)‏ الظاهر أن المراد أنهم يقولون لطائفة تمنوا عليه كذا وكذا فيأمرون كل طائفة بسؤال يليق بحالهم ويختلف ذلك باختلاف طبقاتهم ومقاماتهم ‏(‏فهم يحتاجون إليهم في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا‏)‏‏(‏1‏)‏ قال حجة الإسلام رحمه اللّه تعالى‏:‏ فيه إشارة إلى أن ما كل أحد يحسن أن يتمنى على اللّه ولا أن يدعوه في الدنيا والآخرة فالأولى أن لا يجاوز الإنسان في طلبه المأثور فإنه إذا جاوزه ربما اعتدى فسأل اللّه ما لا يقتضيه مصلحته‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في ترجمة صفوان الثقفي ‏(‏عن جابر‏)‏ وفيه مجاشع بن عمر قال ابن معين أحد الكذابين وقال البخاري منكر مجهول وأورد له في الميزان هذا الخبر ثم قال وهذا موضوع ومجاشع هو راوي كتاب الأهوال والقيامة وهو جزآن كله موضوع انتهى وقضية صنيع المصنف أنه لم يره مخرجاً لأحد ممن وضع لهم الرموز وهو عجب فقد خرجه الديلمي باللفظ المزبور عن جابر المذكور‏.‏

------------------------

‏(‏1‏)‏ قال الشيخ‏:‏ وفي البدور للمؤلف بعد ذكر هذا وأخرج ابن عساكر عن سليمان بن عبد الرحمن قال‏:‏ بلغني أن أهل الجنة يحتاجون إلى العلماء في الجنة كما يحتاجون إليهم في الدنيا فتأتيهم الرسل من قبل ربهم فيقولون سلوا ربكم فيقولون ما ندري ما نسأل ثم يقول بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى العلماء الذين كانوا إذا أشكل علينا في الدنيا شيء أتيناهم فيأتون العلماء فيقولون إنه قد أتانا رسل ربنا تأمرنا أن نسأل فما ندري ما نسأل فيفتح اللّه على العلماء فيقولون لهم سلوا كذا سلوا كذا فيسألون فيعطون‏.‏

-------------------------

2236 - ‏(‏إن أهل الفردوس‏)‏ هو وسط الجنة وأعلاها ‏(‏يسمعون أطيط‏)‏ أي تصويت ‏(‏لعرش‏)‏ لأنه سقف الفردوس كما في خبر آخر والحديث مسوق لبيان غاية رفعة الفردوس وأهله وأنهم في أسنى المناصب وأرفع المراتب والأطيط صهيل نحو الخيل أو حنين أصوات الإبل والخيل يقولون شجاني أطيط الركاب وفي الحديث أيضاً ليأتين على باب الجنة زمان وله أطيط قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز أطت بكم الرحم أي رقت وحنت‏.‏

- ‏(‏ابن مردويه‏)‏ في تفسيره ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي‏.‏

2237 - ‏(‏إن أهل البيت‏)‏ من بيوت الدنيا ‏(‏يتتابعون‏)‏ أي يقع أثر بعضهم على بعض ‏(‏في النار‏)‏ أي في نار جهنم يوم القيامة ‏[‏ص 438‏]‏ ‏(‏حتى لا يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة‏)‏ إلا دخلها ‏(‏وإن أهل البيت يتتابعون في الجنة حتى ما‏)‏ في رواية حتى لا ‏(‏يبقى منهم حر ولا عبد ولا أمة‏)‏ إلا دخلها وذلك لأن لكل مؤمن صالح يوم القيامة شفاعة فإذا كان في أهل البيت من هو موسوم بالصلاح شفع في أهل بيته فأدخلوا الجنة فإذا لم يكن فيهم من هو كذلك عمهم العقاب ولأنهم غالباً يتطابقون في الاعتقاد والأعمال وذلك الارتباط كما يكون في الدنيا يكون في الآخرة والأول أوجه‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي جحيفة‏)‏ بالتصغير واسمه وهب بن عبد اللّه قال أخبرت أن أهل الجنة إلى آخره هذا لفظ رواية الطبراني وظاهره أنه غير مرفوع خلاف ما جرى عليه المصنف من رفعه لكن هذا مما لا مجال للرأي فيه فالإخبار إما من النبي صلى اللّه عليه وسلم أو من صحابي عنه قال الهيثمي‏:‏ رواه الطبراني من طريق كثير ولم ينسبه عن أبي جحيفة، ولم أعرف كثيراً هذا وبقية رجاله ثقات‏.‏

2238 - ‏(‏إن أهل النار‏)‏ نار جهنم ‏(‏ليبكون‏)‏ أي بكاء الحزن ‏(‏حتى لو أجريت‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏السفن‏)‏ جمع سفينة وهي معروفة ‏(‏في دموعهم لجرت‏)‏ لكثرتها ومصيرها كالبحر العجاج والجري إسراع حركة الشيء ودوامها ‏(‏وإنهم ليبكون الدم‏)‏ أي يبكون بدموع لونها لون الدم لكثرة حزنهم وطول عذابهم وهل هذا البكاء قبل دخولهم النار أو بعده ومن البين أن المراد بأهل النار بحيث أطلقوا الكفار الذين هم مخلدون لا من يدخلها من عصاة المؤمنين وبمثل هذا يقال في الخبر الآتي وما أشبهه‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الأهوال ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري وقال صحيح وأقره الذهبي‏.‏

2239 - ‏(‏إن أهل النار يعظمون في النار‏)‏ أي في جهنم ‏(‏حتى يصير ما بين شحمة أذن أحدهم إلى عاتقه‏)‏ أي محل الرداء من منكبه يذكر ويؤنث في الصحاح ‏(‏مسيرة سبع مئة عام‏)‏ يظهر أن المراد التكثير لا التحديد وكم له من نظير ‏(‏وغلظ جلد أحدهم أربعين ذراعاً وضرسه‏)‏ أي كل ضرس من أضراسه ‏(‏أعظم‏)‏ قدراً ‏(‏من جبل أحد‏)‏ أي أكبر منه وسبق أن أمور الآخرة لا تجول فيها العقول وإنما علينا التسليم والقبول‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ورواه أيضاً عنه أحمد وغيره وكأنه أغفله ذهولاً لقولهم إن الحديث إذا كان في مسند أحمد لا يعزى لغيره قال الهيثمي وفي أسانيدهم يحيى القتات وهو ضعيف وبقية رجاله أوثق منه‏.‏

2240 - ‏(‏إن أهل البيت ليقل طعمهم‏)‏ بضم فسكون أي أكلهم للطعام والطعم بالضم الطعام والطعام اسم لما يؤكل ‏(‏فتستنير بيوتهم‏)‏ أي تشرق وتضيء والظاهر أن المراد بقلة الطعم الصيام ويحتمل الإطلاق وإن كان الأول أقرب ويحتمل أن المراد بالبيوت الأبدان ويحتمل حمله على ظاهره ويكون ذلك لإلف الأرواح النورانية لهم‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ والديلمي والعقيلي وفيه الحسن بن ذكوان قال الذهبي في الضعفاء قال أحمد أحاديثه أباطيل وفيه عبد اللّه بن المطلب قال العقيلي مجهول وحديثه منكر غير محفوظ ولهذا أورده ابن الجوزي في الموضوعات وتبعه على ذلك المؤلف في مختصرها فلم يتعقب الحكم بوضعه بشيء بل أقره‏.‏

‏[‏ص 439‏]‏ 2241 - ‏(‏إن أهل البيت إذا تواصلوا‏)‏ أي وصل بعضهم بعضاً بالإحسان والبر والتحابب، والتواصل ضد التهاجر ‏(‏أجرى اللّه تعالى عليها الرزق‏)‏ أي يسره لهم ووسعه عليهم ببركة الصلة ‏(‏وكانوا في كنف اللّه‏)‏ أي حفظه ورعايته ولفظ رواية ابن لال كنف الرحمن ويظهر أن المراد بأهل البيت هنا القبائل وفيه حث عظيم على صلة الرحم وأنها توسعة للرزق وأنها عند اللّه بمكان والكنف بفتحتين الجانب والساتر قال الزمخشري‏:‏ وتكنفوه واكتنفوه أحاطوا به من كل جانب وكنفته حفظته وكانفته عاونته ومن المجاز قولهم في حفظ اللّه وكنفه‏.‏

- ‏(‏عد وابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ ورواه عنه أيضاً ابن لال والحاكم والديلمي فاقتصار المصنف على ذينك غير جيد لإبهامه ثم إن فيه هشام بن عمار عن إسماعيل بن عياش وقد سبق ما فيهما من المقال‏.‏

2242 - ‏(‏إن أهل السماء‏)‏ أي جنسها الصادق بجميع السماوات ‏(‏لا يسمعون شيئاً من أهل الأرض‏)‏ أي لا يسمعون شيئاً من أصواتهم بالعبادة ‏(‏إلا الأذان‏)‏ للصلاة فإن صوت المؤذنين يبلغه اللّه إلى هنان السماء حتى يسمعه أهل الملأ الأعلى جميعاً لكونه يحبه كثيراً ، فإن قلت‏:‏ القرآن أفضل الكلام مطلقاً فما بالهم لا يسمعونه‏؟‏ قلت‏:‏ قد يجاب بأن عظم رتبته اقتضت أن لا يصعد إلا وملائكة يشيعونه فإن في بعض الأخبار إشعاراً بأن الملائكة تشيعه لخبر إن القارىء إذا لم يقوّم القراءة قوّمه الملك ثم رفعه‏.‏

- ‏(‏أبو أمية‏)‏ محمد بن إبراهيم بن مسلم ‏(‏الطرسوسي‏)‏ بفتح الطاء والراء وضم المهملة وسكون الواو ونسبته إلى طرسوس مدينة مشهورة على ساحل البحر الشامي وأبو أمية بغدادي أكثر الإقامة بطرسوس فنسب إليها مات سنة ثلاث وسبعين ومائتين ‏(‏في مسنده عد‏)‏ وكذا أبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ والديلمي كلهم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال ابن الجوزي حديث لا يصح فيه يحيى بن عبيد اللّه الوصافي قال يحيى ليس بشيء والنسائي متروك‏.‏

2243 - ‏(‏إن أهل الجنة‏)‏ أي الرجال منهم ‏(‏إذا جامعوا نساءهم‏)‏ من الآدميين والحور أي طمثوهن ‏(‏عادوا أبكاراً‏)‏ لفظ رواية الطبراني عدن أبكاراً وهو القياس فقول المؤلف عادوا سبق قلم ففي كل مرة اقتضاض جديد لكن يظهر أن ذلك الاقتضاض لا تألم فيه للمرأة ولا كلفة على الرجل كما في الدار الدنيا فإن تلك الدار لا ألم فيها ولا عناء ولا مشقة وأقول يظهر أنه ليس المراد أن الواحدة منهن ينسد فرجها كما كان فحسب إذ ليس في ذلك كبير شأن بل أن تعود متصفة بجميع صفات العروس البكر من حيث صغرها وكثرة حيائها ومزيد تعطرها وكونها أنتق رحماً وأعذب فاهاً وأضيق مسلكاً وأسخن فرجاً وأنها تلاعبه ويلاعبها ويعضها وتعضه إلى غير ذلك من أوصاف البكر المذكورة في الأخبار وأما مجرد انسداد الفرج بجلدة تزول بأدنى تحامل عليها بالذكر فلا أثر له هكذا فافهم ‏(‏عجيبة‏)‏ ذكر العارف ابن العربي أن أهل الجنة ينكحون جميع نسائهم وجواريهم في آن واحد نكاحاً حسياً بإيلاج ووجود لذة خاصة بكل امرأة من غير تقدم ولا تأخر قال وهذا هو النعيم الدائم والاقتدار الإلهي والعقل يعجز عن إدراك هذا الحقيقة من حيث فكره وإنما يدركه بقوة إلهية في قلب من شاء من عباده واللّه على كل شيء قدير‏.‏

- ‏(‏طص عن أبي سعيد‏)‏ الخدري قال الطبراني لم يروه عن عاصم إلا شريك تفرد به يعلى‏.‏ قال الهيثمي فيه يعلى بن عبد الرحمن الواسطي وهو كذاب انتهى‏.‏

‏[‏ص 440‏]‏ 2244 - ‏(‏إن أهل المعروف في الدنيا‏)‏ أي ما لا ينكره الشرع ‏(‏هم أهل المعروف في الآخرة‏)‏ التي مبدؤها ما بعد الموت قال العسكري‏:‏ المعروف عند العرب ما يعرفه كل ذي عقل ولا ينكره أهل الفضل ثم كثر فصار اصطناع الخير معروفاً يقال أنالني معروفه وقسم لي من معروفه قال حاتم * وأبذل معروفي له دون منكر * ‏(‏وإن أهل المنكر في الدنيا‏)‏ أي ما أنكره الشرع ونهى عنه هم ‏(‏أهل المنكر في الآخرة‏)‏ يقول إن ما يفعله العبد من خير وشر في هذه الدار له نتائج تظهر في دار البقاء لأنها محل الجزاء وجزاء كل إنسان بحسب عمله وكل معروف أو منكر يجازى عليه من جنسه وكل إنسان يحشر على ما كان عليه في الدنيا ولهذا ورد أن كل إنسان يحشر على ما مات عليه‏(‏1‏)‏ وقال الحكماء‏:‏ إن الأرواح الحاصلة في الدنيا المفارقة عن أبدانها على جهالتها تبقى على تلك الحالة الجاهلية في الآخرة وأن تلك الجهالة تصير سبباً لأعظم الآلام الروحانية‏.‏

- ‏(‏طب عن سلمان الفارسي‏)‏ قال ابن الجوزي حديث لا يصح قال أحمد تركت حديث هشام‏(‏2‏)‏ بن لاحق تركه أحمد وقواه النسائي وبقية رجاله ثقات ‏(‏وعن قبيصة‏)‏ بفتح القاف وكسر الموحدة وبالمهملة ‏(‏بن برمة‏)‏ بضم الموحدة وسكون الراء ابن معاوية الأسدي قال كنت جالساً عند النبي صلى اللّه عليه وسلم فسمعته يقول فذكره قال أبو حاتم قبيصة هذا لا يصح له صحبة قال الذهبي يعني حديثه مرسل انتهى وفي التقريب مختلف في صحبته وذكره ابن حبان في ثقات التابعين قال الهيثمي وفيه علي بن أبي هاشم ‏(‏وعن ابن عباس‏)‏ وفيه عبد اللّه بن هارون القروي وهو ضعيف ذكره الهيثمي ‏(‏حل عن أبي هريرة خط عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال ابن الجوزي وهذا لا يصح إذ فيه محمد بن الحسين البغدادي كان يسمي نفسه لاحقاً وقد وضع على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما لا يحصى ذكره الخطيب وأبي الدرداء وفيه هند أم ابن قتيبة قال الجوزي مجهول‏.‏

-------------------------

‏(‏1‏)‏ فالدنيا مزرعة للآخرة وما يفعله العبد من خير وشر تظهر نتيجته في دار البقاء‏.‏

‏(‏2‏)‏ أي أحد رجاله وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به انتهى وقال الهيثمي فيه هشام بن لاحق‏.‏

--------------------------

2245 - ‏(‏إن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة‏(‏1‏)‏‏)‏ قال ابن العربي حقيقة المعروف المعلوم لكنه أطلق في العربية على خير منفعة يستحمدها جميع الناس مما يجب على المرء فعله أو يستحب ومعنى تسميته بذلك أنه أمر لا يجهل ومعنى لا يختلف فيه كل أحد ‏(‏وإن أول أهل الجنة دخولاً‏)‏ أي من أولهم دخولاً الجنة ‏(‏أهل المعروف‏)‏ وذلك لأن الدنيا مزرعة الآخرة والآخرة أعواض ومكافآت، روي أن أقواماً من الأشراف فمن دونهم اجتمعوا بباب عمر فخرج الإذن لبلال وسلمان وصهيب فشق على أبي سفيان وأضرابه فقال سهيل بن عمرو وكان أعقلهم إنما أتيتم من قبلكم دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا وهذا باب عمر فكيف التفاوت في الآخرة‏؟‏ ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أعد لهم في الجنة أكثر‏.‏